‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 26 يناير 2018

أجير في الحياة





عنوان الكردي" أجير في الحياة" 
     _ محمد جيجاك _

أجير في سوق الهال
أجير في سوق الحرامية
أجير في سوق المدينة
في سوق النسوان
في سوق الذهب
في مطاعم بستان كل آب
في الفنادق القذرة
في الحدائق بجوار صندوق البويا يقيس درجة انعكاس ضوء الشمس عن أحذية المارة
أجير في المقاهي الثقافية ومقاهي القمار التي يجيد لعبها بمهارة الخاسر أبداً
أجير في اتحاد الكتاب
في نقابات العمال
في مؤسسات المجتمع المدني
في الأحزاب الماركسية واللاماركسية
في صياغة برامجه التحررية
في المعارضة السياسية
أجير لدى النظام الأشد عنصرية وديكاتورية
لدى خصومه الأقل أخلاقاً
أجير في الصحافة المكتوبة والمقروءة والمرئية
في دور النشر
في الشعر الفصيح، الثوري والعاطفي
في الرواية  والقصة القصيرة جداً والنص المفتوح كساقي امرأة للأعلى تبتهل لله
أجير في الفلسفة والشذرة الفلسفية
في التفاءول
في التشاؤم
في العقلانية
في الأخلاق
في الحداثة وما بعدها
أجير في حمل السلاح لأجل قضيته

أجير في طريقة دفن شهدائه
أجير في حرب الأخوة
في اختراع وسائل الهرب من قضيته
أجير في الحب
في الكره
أجير في عبادة الله
في إنكار وجود الله
أجير في حياته على أطراف المدن الكبيرة
أجير في ترتيب مقابره
أجير في موته على رصيف الزمن

الخميس، 10 أغسطس 2017

ظل اللامعنى







محمد جيجاك

بقليل من المقاومة أصدُّ ريح عاصفة
أما رائحة عنقكِ
يلوّحني في الفراغ  كفراشة الضوء

.....

سيرة حياتي كمربعات تسلية كلمة السرّ
 أشطب وأشطب 
أسماء العابرين بي صدفة وعن قصد
 أسماء الأمكنة التي مررت بها عنوة أو طوعاً
أسماء المشاهير في التاريخ و الحاضر والمستقبل
أسماء الحيوانات والنباتات وورود الشرفة
ما من مربع مفتوح ومغلق ولم أمر به  
لم يبقى حرفاً غير ملوث بحبر قلمي
ولأنني لم أعثر على كلمة السر في حياتي
مسحت بالجريدة حذاء الوقت 
لأنتعله بأناقة جديرة بي

...... 

يدهشني الكاتب الذي يتذكر كل ما كتبه 
يوحي لي أن له رأس كثلاجة تحافظ على البضاعة الفاسدة

.......


أكتب الشعر أو قصة أو رواية
 حين ينضب انفعالي اقرأها لأكتشف كم من السخف العميق كتبته
 ثم أرميها في سلّة المهملات بلا ندم، كما أفعل مع نتاجات أصدقائي 
هل سيختلف شيء؟
أعتقد أن شيئاً لن ينقص من روحي حين أخسر نفسي ككاتب سيختص في بوح الهراء

...... 

ليس لي ملامح واضحة 
 لأن قلبي رصين كرمل جُرف دهراً حتى مستقره

......


حزني لي 
لا شأن لك به 
يمكنك إلقاء نظرة وتعبر 
كما تعبر بمقبرة نائية
 مبتسماً 

.......

أحفر في ظلّي عميقاً
لأستقر في عتمة آخر النفق

.....

لا أترك بابي مفتوحاً وأنا في إنتظار أحد 
 إن لم يكن زائري لصاً
سيطرق الباب إن كان مفتوحاً أو مغلقاً
.......

حين أصل إلى مفترق طرق أدرك أن للجهات معنى قاتل

......

في المدينة التي لا أصدقاء لي فيها 
ابتسم لكل الغرباء 
حتى لو قالوا عني أبلهاً ..
أعذرهم 
لأن الابتسامة كلام 
والكلام بضاعة رخيصة

....... 

حين أكتب ليس غايتي قول أنني كتبت هذا 
الكتابة كعواء الذئب
نداء لوليمة فاجرة
إنذار لحلول كارثة 
لهو لتسجية التيه

.........


 لن أهدر الدمع في قراءة مآسي البشر
حين أخلو لنفسي
أهدر نهراً من الدمع على كل صورة في ذاكرتي

.......


كلما تهتُ عن شغبي لجئت لقراءة  كتاب
القراءة رسن الإنسان 

......


يطير العصفور حين يتعب من استراحته على غصن الشجرة




Ermïtê






محمد جيجاك

لم أكن أواعدها أبداً، كما العشاق الملهوفين، لا في الحدائق والكافتريات، أو المطاعم المنزوية، كنت دائم الطمأنينة من أنني سأراها في يوم النوروز، كما كل نوروز في الأعوام  السابقة.
لم يكن الزحام الكبير في النوروز يعيقني بالعثور عليها، كانت كباقة ورد، تنسج خيطاً من طيبها لترشدني إلى ركن تواريها
كانت تطوف بالحفل الصاخب كحاجّة شديدة الورع، وأنا أطوف حولها كمتصوف زنديق، منفصل عن الزمان والمكان.
 أصادفها وجهاً لوجه بين شجيرات البلوط، نبتسم لبعضنا كما الابتسامات السابقة، من كل نوروز مات، ثم نتدحرج على الصخور المغسولة بمطر طازج، كسنّورين اتفقنا همساً، على أن للورد رائحة أذكى من رائحة دم الضحية،  أقطف لها نرجسة بنفسجية فتردها لي نرجسة صفراء ...
لا نثرثر في أمور نفهمها، ولا نفهمها، نرتاح على حافة مطلّة على واد عميق، نضحك كجروين ناضجين، يبذران الوقت الثقيل، لهواً   فجأة تتحرش بصمتي وتسألني كغريبة عن وطنها:
ما اسم تلك القرية؟
 خاصا
 وتلك ؟
 اصلاحية
و تلك ..وتلك ..وتلك ..
ثم تضغط على يدي قائلة بحزن:
- أريد أن أجوب العالم كله ذات يوم
منذ ثلاثين نوروز تَركتْ وتركتُ أثرنا هناك، ليجوب كل منا عالمه، ولا نوروز في أي مكان كي أتربص بفرصة برائحتها.





الخميس، 29 يونيو 2017

دودة تحلم بقوس قزح في العتمة




محمد جيجاك 


الوقتُ جثّة، أنا دودةٌ مشلولة
أجوبُ الجثّة زحفاً شُرفة.. شُرفة، كرحالة يبيّت نوايا خبيثة في البحث الشغوف عن أسرار المدينة، حين يدبّ الإحباط بي أنكشُ ذاكرة الجثّة بأظافرِ قطّ محاصرٍ بالموت، كلّما طَفت صورة على السطحِ التهمتها.. أكلتُ صور مزابل حيينا الشعبي، ساحات اللعب والمرح في الطفولة، أكلتُ صورة استاذ اللغة العربية وهو يرتّب نظّارته السميكة، أكلت الصورة الخلفية لأنسة الفرنسي القبيحة الوجه، أكلتُ صورة الحائط الذي كتب عليه الكسالى من الطلاب ألف رسالة ركيكة لتسعين فتاة في ثانوية طارق بن زياد، أكلتُ كل االخرق المدوّنة عليها الشعارات الوطنية والقومية والأممية، نظّفت ساحة سعدالله الجابري من كل نفايات الحملات الإنتخابية المزيفة، أكلتُ صور القبّرات والبلابل والحسون والصيصان الصفراء المتسكعات في حواكير القرية. انتظرتُ بشغف أن ينمو على جسدي العاري زغب، زغب يراقصه هواء صيفي فيطول كريش دجاجة جدتي، ربما جناحين صغيرين أيضاً، منقار ناعم على سعة حبة قمح، ساقان قصيران، أسير بهما مغمض العين..
تلوّث بياضي بألوان كل الصور التي أكلتها.. كنتُ آمل أن أصير قوس قزح يقوّس ظهر العَتمة، إنّما الشوائب المتعشعشة في لقطة أصبغتني بلون قاتم على هيئة صرصار أمريكي أعمى.
الوقت جثّة، أنا دودة نظيفة
جشع الذباب الأزرق شلّ حواسي الخمس، أزرقه المبهر خدش سعة عيناي في العتمة، نسج من خرائه رادءًا محكماً للجثة، لم يهبني حتى مساحة رأس دبوس أتذوق منها ما بقي من حلاوة الوقت، فقّس بيوضه في كل مسام، حيث أضع قدمي ينهار اللحم ليحدث فجوة من العدم. الذباب الأزرق من هواياته وطأ الأزهار الفاقعة في الربيع وإن شمّ رائحة جثّة ترك ألوان الربيع وطار إليها ليحوّلها إلى جيفة نتنة تهرب منها حتى نسور الكندور، طنينه في هدوء العتمة صمّ أذناي، كم يشبه طنينه ثرثرة ثريّ القرية مع رجل الدين في مجلس عزاء فقير، يا لهم من حمقى.. لهم أجنحة الذباب ويتجادلون طوال الوقت عن صيغة المساومة مع الحياة !
الوقت جثّة، أنا دودة شاردة

دائماً لا أجد الرأي السديد المناسب لي إلّا بعد فوات الأوان، أهزّ رأسي على عجل مع ابتسامة بلهاء، يظنّ سائلي أنّي موافق على ما اقترحه! وهكذا.. أصدقائي السفهاء كثر، ألصقوا بي صفة الأبله المبتسم دائماً. أبتعد عنهم خطوتين من الخيبة، أسخرُ منهم، وأضحك بألمّ كأبله عاجز عن ردّ الصبية عنه، يدمع بحرقة مدركاً تماماً عمق الضحالة في معنى كل شيء.

للحرب ضفة واحدة








محمد جيجاك





طوال الحرب في بلدي الذي هربت منه -كانت ثورة ثمّ تحولت لحرب بقدرة قادر- لم أتفوّه بجملةٍ مفيدة، صغتُ عباراتي القليلة _التي تفوّهت بها محرجاً في لحظات حرجة_ بعناية لتكون على مقاس إعلانات مبوّبة عما يجول في داخلي، كانت بوحات أقصر من طولي الموصوف بالقزم لدى زملائي الساسة الذين هم نتاج جينات البغال.

بوحات أخفّ من وزني المقدّر بوزن الذبابة، بمكيال بائعي الكلام في سوق الصحف الصادرة عن أحزاب تشتري أيديولوجياتها من السوق بثمن يقدّر بزاوية الركوع، بوحات أنحفُ من جذع الريحانة بتقدير شاعر لا يعرف من جمال المرأة سوى نحول خصرها، بوحات لم تكن أبعد من أنفي الأفطس الذي هو أكثر “فطاسة” من أنف كونت كونتي.

ما حدث لي من بلادة حين تحوّلت الثورة لحرب كان عوداً حميداً لما كنته قبل الثورة، حيث استعاد زملائي ذاكرتهم عن ضحالة آرائي في الحياة، منها “ذو البصيرة القصيرة كإطلالة نافذة على مقبرة مهجورة”. وهذا ما أعترف به أنا أيضاً، لم يحدث أن عانيتُ -كزملائي على طاولة السكر- من زحام الصور الشعرية في مخيلتي، دائماً كان رأسي كصندوق بويا لماسح أحذية ذو طباع مستهترة بالحياة، لا يهوى من الصبغات سوى اللمّيع الذي بلا لون لكنه يرصّع كل الألوان ببريق مزيف. ذاكرتي قصيرة جداً، لا تتسع لحفظ عبارة قرأتها صدفة على قصاصة سقطت من سلّة مهملات، ولا قول مأثور هرَّ من فم غرّ في الحياة تلقّفها بعناية من كتاب عابر بين يديه بعد أن اقشعر بدنه من الدهشة. جدران رأسي الداخلية كجدران غرفة نومي خالية من المقولات المنجزة وحكم المشاهير، والأمثال الشعبية، ولم أدقّ فيها مسماراً لأعلّق على مساحة الفراغ صورة زعيم سياسي أو أديب أو فليسوف مجنون.

في الحرب، اكتشفت أن لا فسحة للمهادنات في دماغي، لن ألوّثها بأثار أقدام -نظيفة وقذرة- لأصدقاء، لأقرباء، لعابري كلام، موتى وأحياء، ولا حتى لأنفاس امرأة عابرة بجسدها ذات تيه وضعت رأسها على مخدة سريري لتبكي ندماً على خداعها لرجل أحبّته ذات طيش. لم أفكّر لحظةً باقتناء لوحة فنيّة، رغم إعجابي بالسورياليين وهواة الرسم على جدران الأنفاق، ولا مؤلفات موسيقية، رغم حاجتي اليومية لسماع توفيق الباش وعارف صاغ ورعب ريتشارد فاغنر. لم يستهويني سماع مشاهير الملتزمين والسوقيين من المغنين (الكلام يفسد الموسيقى) لم يخطر ببالي يوماً أنّني بحاجة لساعة حائط رخيصة حتّى لو كانت بلا منبّه، ولا لزهور أزيّن بها “درابزون” شرفتي.

في الحرب، ترسّخت قناعتي القديمة، على أنّني لست بحاجة ليفهمني أحد، ولا أن أفهم أحداً.

طوال عمري لم أكن لاعباً في ميدان تبادل الآراء، لعبةٌ سخيفة يمارسها الحمقى لتزجية الوقت، كم هم عديمي الإحساس! رغم قراءاتهم لألاف الكتب لم يدركوا أنّ الحرب لم تتوقف لحظة عبر التاريخ، وأنّ زمن الحرب كزمن السلم لكن بدقات مزعجة لعقارب الساعة، فيا قارئي.. لا تعوّل على ما أقول، كي لا تحرجني بردّ الجميل وأعوّل على ما تقول.

خوفي من خوض الحرب لم يسُقني نحو العزلة، كما هو شائع لدى المقرّبين منّي، إنّما جملي القصيرة ساقتني منذ حروبي الفردية الصغيرة لمقبرة الوقت.

يا للعزلة الرهيبة.. كلما اتسعت مساحتها علا منسوب كرهي لكلّ شيء له معنى آني عابر.

يا للعزلة المقيتة.. غالباً تدفع المرء لارتكاب حماقات لا مردود لها..

لدي هاجس قديم لم يصدأ بعد، منذ أول اختبار خدعة في الطفولة كنت فريسته، أنّني سأشهد كيف ستنشق الأرض كبطيخة حمراء وقعت من فوق عربة بائع مُهمِل، وستهرّ الكائنات من جوفها إلى هاوية معتمة، بلا رجعة.

نعم سيحدث ذلك قبل موتي، أنا واثق من حدسي، لذا أدعُ الآراء حول الحياة الكريمة واللاكريمة تمرّ مرور الكرام، لا أبالي، فأكثر الآراء بريقاً وجمالاً لا تقدّم ولا تؤخّر.



الثلاثاء، 27 يونيو 2017

تشوهات خُلقية

                         



  محمد جيجاك


كم هو محبط ..
 أصفع وجهي على المرآة
 تتحطم المرآة ويبقى وجهي على حاله
 مشوهاً
 بلا ألم !
***
لم يسبق لي أني بكيتُ
في قصر الزعفران قال القسّ الذي يعمل كدليل سياحي:
في هذا المكان أسرار عن صفات الله، وأين يقيم، وماذا يعمل
 استمعت إليه بصمت
 شردتُ عن رصانته المتبجحة
حين التقاط صورة تذكارية في معبد النار
استقام القسّ بظهره المحني أمام الكاميرا
وأنا بكيت كأم ثكلى
***
لو أحصيتُ الخطوات التي قطعتها بحثاً عنكِ
لحصلتُ على رقم كبير جداً

على سعة خطوة واحدة
أو مسافة خطف قُبلة مباغتة
***
للكلام رسن الحمار..
 قل ما تشاء
بإمكانك الإيمان بالنقيضين في آن واحد

في المدينة حشد وافر من الغوغاء
 عش ألقكَ طولاً وعرضاً
أنت " بطل من - أبطال- هذا الزمان"
***
لا أستطيع أبداً تخيّل أن هناك غزال ذكر
ولا عصفور لا يبيض كأنثاه !




صورة واحدة في ألبوم كبير







       محمد جيجاك


ولدتُ في عهد الرئيس الأمريكي جونسون
ولا أعرف في عهد أي رئيس أمريكي سأموت ؟
أحزن على وطني لأنه لا يملك تقويماً من هذا الطراز

***

كان وطني غصناً هشّاً
حطّ عليه عصفور نزق
فانكسر الوطن من جزعه
 
***

حدث إنفجار في الطرف الآخر للمدينة
تهاوت شرفتي على ثلة ثرثارين اختبؤا تحتها 
اندهشت لهشاشة شرفتي وسذاجة الثرثارين

تسائلت:
هذه الشرفة الكتينة حملت صمتي الثقيل أربعين سنة

وهرّت جراء صوت خلّبي على ناس خلّبيين !

***

للوقتِ في زمن الحربِ جسدٌ مُشعرٌ
مخيف كقردة الشمبانزي

أهربُ إلى نفسي في العتمة
أعيد نتف الشعر فكرة فكرة
وأحرقها على عجل
 كي لا تنبت من جديد في دفء السرير


***
كل الذي كتبته لها 
حكم مستعارة
شذرات شعرية
نكت إباحية ظريفة
لحسن حظها كنت لا أجيد الاسترسال في سرد الحكايا

 كل هذه الصور تركتها لها في حلب وهربت خلسة
هاتفتني وأنا أقفز فوق سلك الحدود :
-اليوم مساءاً سنلقتي في ذات المكان
لم أخبرها أنّي وصلت إلى حافة القبر في هروبي
ابتسمت
ضحكت
بكيت
لا أعرف ماذا حدث؟
قذفت الخليوي في وجه صخرة صغيرة
تمزقت الشاشة التي كانت تحمل صورتي وصورتها
تمزق “البافل” الذي كان ينقل لي صوتها
أمّا الصخرة لم يخدش لها حسّ ولا حياء 

****
 في وطني كنت حياً أجاورالأموات

 في منفاي الطوعي

حيز واسع من الهشاشة










محمد جيجاك

 لا أعلم إن كان تاريخي الشخصي أسود أو أبيض أو رمادي أو لا شيء!
ما أعرفه أنني أربعون عاماً في وطني كنت مضموم الحراشف كسمكة ميتة
كنت أجيد الابتسامات الرمادية وأرميها بسخاء لكل عابر بي، مفترضاً أنّ ابتساماتي تفي بأغراض كثيرة، منها.. تعفيني من الثرثرة والخوض في التفاصيل الممّلة حين سرد حكايات فاقعة بأحداثها.
في أعوامي الأخيرة صرتُ أقود شرودي المستحوذ على كل أوقاتي للغوص في عتم ذاكرتي، بالأمس مساءاً وأنا جالس قرب نهر صغير تخترق غابة متعددة بأنواع أشجارها، راقبت سنجاباُ يقفز من حجرة لأخرى بلا هدف، أو خيّل لي أنه يفعل ذلك بلا هدف، فجأة أبصرتُ رأس الخيط في ركن قصيّ من ذاكرتي، سحبتُ الخيط حتى آخر النفق المعتم، لأكتشف أنّ سجّلي الشخصي مليئ بالبلاهة واللاهدف والسمّو الخلّبي.

***
للكلمات الدّالة حلقات وصل، طوبى لمن نسج بها حبل مشنقته
***
لو كان لي حلم لسعيتُ إلى تحقيقه، وأرحت كل أصدقائي من ثرثراتي .

***

ما زلت أندهش من قاضٍ يصدر حكم الإعدام بحق انسان حيّ !

***
حين تكون وسط غابة وبلا بوصلة، كل الجهات تعني لك الشمال

***
حين نزحتُ من بيتي وللأبد، لم أودّع أحد
وقفت في منتصف الشارع مثل أبله يدوّر رأسه كحرباء لعلِّي أُبصرعابراً ألوح له
كان المطر غزيراً جداً وصوت الرصاص أيضاً

تفاجئت بأنّ الذين كنت أحبهم من جيراني كانوا يحبّون اللعب بالرصاص أكثر من حبهم للمطر !

ركامي فيما كان يسمى وطناً


              

- محمد جيجاك-
في وطني كان الفضاءُ ضيقاً جداً
 لم يغريني يوماً على صنع أجنحة لي
***
تحت مسمى التسامح
ربوني على تجاوز الأخطاء الصغيرة في طفولتي

كلما كبرتُ كَبُر التسامح معي وصرتُ أتجاوز الأخطاء الكبيرة
فبدّلوا صفتي من المتسامح للجبان !
*** 
خسرتُ الكثير من الأصدقاء بسبب شرود ملامحي

 كان ذلك أفضل مما لو خسرتهم بسبب طول لساني في أمور لا تعنيني
***

كلما قرأت نصاً جميلاً
وعرفت لاحقاً أن كاتبه انسان فظّ في حياته اليومية
شعرت بخيانة لنفسي وللزمن
***
 غالباً كنت أرتق فجوات نافذتي بعلم بلادي
 كلما تعرضت لإهانة من قبل موظف في الدولة
 مسحت بالعلم منفضة سجائري 
وأحياناً حذائي

***
كل مارق بوطني
حمل في جعبته خرقة ليلة الدخلة
كلمّا فضّ أحدهم بكارته
العمات والخالات ونساء الجيرة زغردن بفرح عارم 
وطني لم يكن يوماً فتاة عذراء
كان امرأة خانعة للديكتاتو يفضّها في كل لحظة مع ضيوفه الغرباء
***
كانت أرض الوطن واسعة جداً
أما الزقاق الذي هربت منه كان ضيقٌ جداً
لم يتسع لعبور  رأسي المعبأ بصور الخراب
منذ ولادتي حتى آخر التفاتة
***
العاصفة مرّت على بلدي بسلام
 اقتلعت كل شجيرات الكرز
كانت ستزهر في الربيع القادم