الثلاثاء، 20 فبراير 2018

سؤال من قبو الحرب













 محمد جيجاك 



يسعد صباحك صديقي :
سقطت قذيفة بالقرب من بيتي في عفرين، كنتُ لحظتها في التواليت أتبول بغزارة بعد كرع ابريق شاي كبير لوحدي، تعالَ صراخ ولديّ بصحبة عويل امهما، وقع فانوس الكاز من على الطربيزة، انطفأ النور وعمّ القبو ظلام دامس، القبو البارد والقذر رتبنا فيه أثاث لإقامة مؤقتة، حيث نهبط إليه كلما سمعنا هدير الطائرات تقترب من سماء المدينة، ولأن مدينة عفرين عاصمة دولة حديثة العهد، انبثقت من عبطة الزمن، بين ركام دولة منهارة، بفضل تدهور أخلاق سادة الدول العظمى، ولأن دولة عفرين لا تملك ميزانية مالية سوى رصيد هائل من آهات الولادة، والآهات لا تنفع حتى لشراء زمور خطر ينبح ككلب مذعور قبل قدوم طائرات العدو، لذا نضطر لإبقاء آذاننا منتصبة كأرانب في غابة مكتظّة بالثعالب.
تابعتُ التبول دون رد فعل شرطي على سقوط القذيفة. سمعتُ زوجتي تقول بهمسٍ تهدي من روع ولديها "حمد لله أنها سقطت بعيدة" ابتسمتُ وقلت في سريّ وأنا أصوّب خيط بولي إلى فجوة التواليت الذي لا أبصره. المسكينة تتحايل على نفسها قبل التحايل على ولديها، هي تدركُ تماماً بأن عفرين مدينة صغيرة جداً، وشاءت رغبات الوحوش أن يجعلوا منها ساحة حرب غبية، فلا معنى لكلمة بعيد و قريب.
 البعيد؛ يعني كارثة أيضاً، حلّت ببيت أحد أهالي المدينة، قد يكون بيت صديق، أو بيت أحد المعارف، أو بيت شخص ما صادفناه في مكان عابر، ابتسمنا له دون أن نعرف بيته أين يكون. ربما ضحكنا سوياً ذات شرب شاي وأنا أشتري من محله شيئاً ما، ربما رقصتُ معه يداً بيد في دبكة واحدة ذات عرس لصديق مشترك.
القريب؛ يعني بيتي أو بيت جاري.
 المهم، أنهيتُ التبوّل وعدت للولدين أتحسس وجودهما ونبضهما كأعشى منذ لحظة سقوطه من بين ساقي أمه.
 آثرت أن نبقى في العتمة وأن لا أُشعل الفانوس حتى يتلاشى صوت هدير الطائرة. سألني ابني الذي تخطى الثامنة من عمره، والذي زاد منسوب غبائه أضعافاً إبان الحرب المفاجئة، حيث مع سقوط كل قذيفة أو صاروخ يتعمق غباءه درجة، لا سيما في أسئلته :
 - ما شكل القذيفة التي سقطت تواً بابا؟
أجبت: لا أعرف.
ربما نظر إلى وجهي عبر العتمة ليكتشف عمق جهلي، أو ليتأكد من أنني شخص غير صالح للاستعمال الأبوي. نعم يا صديقي، في الحرب، الرجال يتحولون لحيوانات غبية، والنساء يتحولن لنعجات خرقاء، لا يصدر عنهن سوى الثغاء النزق، وخليط بين الدعاء والشتائم. تركني الطفل الذي ورث نصف غباءه مني تحديداً والنصف الآخر لا أعرف من أين! ذهب لأمه زحفاً ليسألها ذات السؤال.
أجابت أمه التي هي زوجتي، والتي لم أسمع ضحكتها منذ شهر، حيث تنقلب لحمقاء من الدرجة الأولى حين الأزمات الكبيرة، في هذه اللحظة المعتمة من الزمن، لديها تفسير واحد لا غير لهذه الحرب " الله يكره الكرد، يا حيف على كل حصّة عبادة أديّتها لأجله قبل الحرب".
 شرعت توصف للولد شكل القذيفة:
- أنها كرة مدوّرة على شكل بالونة، لكنها محشوة بالمسامير وقطع حديد حادة وديناميت، ما أن تقع على الأرض تنفجر وتتناثر المسامير وشظايا الحديد.
صمت الطفل للحظات، همهم وسأل :
- لكن كيف يحشون البالونة بالمسامير والحديد دون أن تنشقّ وتنفجر بين يديهم؟
- هي بالونة من حديد.
سارعها الطفل بالسؤال:
- لكن كيف هي من حديد وتطير؟
- هي لا تطير، الطيارة ترميها من السماء.
طيب .. قال الطفل، صمت لبرهة ثم سأل :
-الذي يرميها هل يعرف بأنها ستنفجر وستقتل الناس على الأرض؟
- بلى ..يعرف.
- ولماذا يريد قتل الناس.. ماما؟
-لا أعرف !.
حين نطقت ام الطفل التي هي زوجتي بعبارة لا أعرف شعرتُ بأن عقلها عاد لصوابه. كنا قد اتفقنا بعد أن كبر طفلنا الأول وتمكن من صياغة الأسئلة بأن أفضل إجابة لأي سؤال يطرحه وتكون في الإجابة احتمال كره انسان آخر هي "لا أعرف"، لم توافقني زوجتي في حينه، قالت محتجة "الطفل سينمو على غباء، يجب أن نجاوبه ونرشده للمحبة"
عاد الطفل لسؤال أمه:
- آنه .. لماذا الكرد والعرب والترك يكرهون بعضهم البعض؟
أجابت الأم بنزق وغضب:
- لا أعرف ..لا أعرف.
سمعنا دوي قذيفة أخرى أكثر قرباً من الأولى، ثم ساد الصمتُ في القبو المُعتم وخارج القبو أيضاً حتى الصباح
هل سمعت يا صديقي ، لدي طفل معتوه لا يكف عن الأسئلة الغبية عن هذه الحرب الغبية. ماذا أفعل كي أخرسه؟

الجمعة، 26 يناير 2018

أجير في الحياة





عنوان الكردي" أجير في الحياة" 
     _ محمد جيجاك _

أجير في سوق الهال
أجير في سوق الحرامية
أجير في سوق المدينة
في سوق النسوان
في سوق الذهب
في مطاعم بستان كل آب
في الفنادق القذرة
في الحدائق بجوار صندوق البويا يقيس درجة انعكاس ضوء الشمس عن أحذية المارة
أجير في المقاهي الثقافية ومقاهي القمار التي يجيد لعبها بمهارة الخاسر أبداً
أجير في اتحاد الكتاب
في نقابات العمال
في مؤسسات المجتمع المدني
في الأحزاب الماركسية واللاماركسية
في صياغة برامجه التحررية
في المعارضة السياسية
أجير لدى النظام الأشد عنصرية وديكاتورية
لدى خصومه الأقل أخلاقاً
أجير في الصحافة المكتوبة والمقروءة والمرئية
في دور النشر
في الشعر الفصيح، الثوري والعاطفي
في الرواية  والقصة القصيرة جداً والنص المفتوح كساقي امرأة للأعلى تبتهل لله
أجير في الفلسفة والشذرة الفلسفية
في التفاءول
في التشاؤم
في العقلانية
في الأخلاق
في الحداثة وما بعدها
أجير في حمل السلاح لأجل قضيته

أجير في طريقة دفن شهدائه
أجير في حرب الأخوة
في اختراع وسائل الهرب من قضيته
أجير في الحب
في الكره
أجير في عبادة الله
في إنكار وجود الله
أجير في حياته على أطراف المدن الكبيرة
أجير في ترتيب مقابره
أجير في موته على رصيف الزمن

الأحد، 19 نوفمبر 2017

شذرات طائشة



                                                   شذرات طائشة




2

لست شاعراً 
لكن أستطيع أن اهمس لك بأن المشهد الجانبي لوجهك يشبه ظل غيمة ربيعية على مرج أخضر. 
لست كاتب قصص قصيرة 
لكن سأحدّثك عن ما جرى في القطار بين عجوزين جمعتهم الصدفة بعد فراق نصف قرن .. ظلّتا تحدقان ببضعهما حتى ابتسمت احداهما فأدمعت الأخرى وصاحت بصوت مخنوق ..ماريا ايزابيلا ! ماريا فتحت ذراعيها كبديل تعثرها في النهوض ترحيباً بسبب سقوط عكازتها من متناول يدها، جحظت عيناها حتى احتضنت صديقتها القديمة وتشمما بعضهما مثل كلبين..تصوري، كانت ماريا محتفظة بذات ابتسامة صباها كتذاكر من أصدقاء أحبتهم !
لست روائياً
لكنني أستطيع التحدث مطولاً عن ابتسامتك الرمادية وعن سر ضوء عينيك الخافت و ثدييك المترهلتين قبل أوانه
لست فليسوفا
لكن أستطيع أن أصمت طوال حضورك . أفكر بجسدك النحيل وأنا أتابع بنظراتي عامل النظافة كيف يتلقف أعقاب السجائر بلطف وأناقة من أطراف مقاعد الحديقة



3


المرأة التي لا أعرفها
رأيتها صدفة
صباحاً في محطة القطار
مساءاً على جسر كابيلا
بعد منتصف الليل في خمارة صغيرة 
على صفحة الفيس بوك، انستغرام، تويتر
لا أعرف ..
تلك المرأة تنفع كقطع تبديل لحلم قديم


4


ولأنني أجيد انتظار اللا شيء
كل امرأة مرّت من حيزي على ضفة البحيرة
تخيلتها دريئة متحركة
وكل رجل عبر على خلاف اتجاهه
اعتبرته خصماً لي في المبارازة 
على إصابة الدائرة الحمراء الكبيرة
ولأنني أجيد خسارة كل شيء
أرمي سهامي ولا أنتظر النتيجة



5




أعضّ أصابعي للعشرة تريثاً
وأرتكب الحماقة
ثم أعضّها مرة أخرى ندماً
رغم لذة الحماقة


6


بأظافرها تحرث ظهري
تنفخ الهواء لينبت لهاثاً
النجوم تتهاوى ثمرة ثمرة


7


كلما مررت بمحطة القطار رميت بقُبلة في الفراغ
لينداح الهواء الراكد وتلامس أشلاء قبلتي خد امرأة ما
مثلي تماما ..ليس لها أحد تودّعه أو تستقبله


8


المرأة ترغمك على كتابة الشعر والغناء حين لا تمنحك فرصة للعواء



9


أنا وأنتِ ..
كساعتين معلقتين على حائط واحد
تشير كل واحدة لوقت مختلف
لكن عقرب الثواني مواظب على عمله لا يبالي أبداً بفرق الزمن بيننا


10

يلزمني الكثير من الحكمة حتى أفهم غموض عباراتك المنبعثة من عينيك ورجفات شفتيك..
هل تقصدين استحضار لحظات منكسرة من بين ركام الذاكرة لترميمها،
أم شغف لاحتضان الموت الذي انتظرتيه طويلاً والآن ماثل بين يديك ؟


11

كالمطرقة والسندان نتحاور كل ليلة 
لا أنا مسمار من فضة ولا أنت جذع شجرة الشوح


12

أخطأت حين قلت لها أنت فراشة، فصرتُ أطاردها مثل طفل يبكي حليب أمه 


13


إن توقفت عقارب الساعة عن الحركة يتوقف الزمن تماماً عن السير إلى حتفه، تماماً ، كما أصابعك حين تتوقف عن العبث بالوقت في جثتي.

14

المحكومين بالمؤبد أملهم الوحيد بالنجاة هو حدوث زلزال يحطم جدران السجن تماماً مثل الذين يشعرون بالحياة كصخرة جاثمة على صدورهم 

15

صادفت إمرأة في زحمة فراغ المكان كما يصادف كهل مسالم طلقة طائشة في زحمة حرب العصابات، امرأة، عبرت المكان وجسدي بإبتسامة حارة كمقاتل غرّ انتشى بتوصيبته المحققة 

16

ليس وجودي في الحياة فقط لأحب أو أكره ..بل لأعيش كيفما اتفق .. وفي الطريق إن صادفت ما يستحق قول في الحب أو الكره قلته دون تردد ..الحالتين سواء ..تعبير عن شعور صادق 

17

كثافة وجود الحمقى لا تجعلني كئيباً، إنما صامتاً حين أشرب الخمر، أو ثرثار بلا طائل عن اللامعنى

18


لا أشتر رواية لأقرأ قصة مأساوية أو حكاية حب أصادفها واقعياً كل يوم .أشتر كتاباً يرشدني للصمت حيال تلك القصص


19


لا أقرأ كتاباً غصباً عني كل كتاب قرأته حتى النهاية كان غصباً عنه ..
الكتاب الذي يقرأ لإعتبارات خارج نصه كمن يرغم كلباً على صيد لا مزاج له فيه 


الجمعة، 17 نوفمبر 2017

شذرات طائشة



                                     


                                                                              شذرات طائشة


ذات مرّة قلت لها أنتِ غزالة، فصارت تأتيني في كل شوق وثباً، ترفع ابطها لأدوخ في العنبر


1


الملتزمون بالخطوط العريضة للعيش الكريم " أمن اجتماعي- أمن مادي" هؤلاء الأكثر إفساداً لجمال الحياة ..لولا الفوضويون والمغامرون لكانت الحياة نعل حذاء تشقق عطشاً تحت شمس حارقة 

2

الإنسان خطّاء والذي لا يكرر أخطائه حمار ..
التاريخ شهد عشرين ألف حرباً " انسانياً " والنتيجة لم تتغير ، إنما الحمار لا يقع في ذات الحفرة مرتين، لأنه حمار لا يكرر خطأه

3


لو لم تكن الماريغوانا وتدرجاتها مباحة في الغرب لكان الإنسان الغربي أكثر شراسة من أي إنسان آخر في العالم.
لو لم تكن الفلسفة وتفرعاتها مباحة في الغرب لكان الإنسان الغربي أكثر طائفية وعنصرية من أي إنسان في العالم 
لو لم يكن الجنس مباحاً في الغرب لكانت سجونهم مليئة بسفاحي القربى ومجرمي غسل العار 
لو لم تكن عزلة الفرد مصونة في الغرب لكانت شوارعهم مليئة بالمجانين والعصابيين والمقهورين
لو لم تكن الموسيقى أكثر فن مقدس في الغرب لكانت أجراس الكنائس المسبب الأول للهستريا وتلوث السمع ..


4


حين يملّ الله من مراقبة الرتابة في أوروبا ينثر الثلج ليحجب كل التفاصيل بلون البياض..

5

هناك نوعان من التكابر، الأول، هو التخلي عن أي شيء بسهولة مهما كان قيماً، والثاني، هو اقناع الآخر عنوة بأنك كبير ولو بإجراءات مرنة شديدة اللطف والتهذب 

6

هناك أشخاص تنفر منهم بمجرد أن تتفرس لحظات في صورته قبل أن تتكلم معه بأية كلمة، وهناك أشخاص تكرههم ولا تستطيع التعبير عن كرهك له خجلاً من محبته المفرطة لك لدرجة إن قال لك مرحبا وهو يبتسم تشعر وكأنه يقول لك " كس أمك" لكنك تبلع ريقك وترد " أهليييين " على طريقة زياد الرحباني، وهناك أشخاص ترتاح لوجودهم بقربك حتى لو كان عابساً طوال الوقت مثل امرأة عانت دهراً من كارثة القذف السريع لزوجها والخجل غير فيها مسار التعبير عن سخطها من الحياة، وهناك أشخاص حلوين على بعد كيلو متر واحد منك، إن اقترب خطوة أو ابتعد خطوة أفسد جمال حضوره

7

من السهل أن تكتب عبارة غامضة ويتسابق على فهمها الفهمانيين لكن من الصعب أن تكتب عبارة واضحة ولا يفهمها أحد 

8

حين كنت مراهقاً ما أن ألتقي بالصدفة بكاتب أو شاعر أو سياسي أو مطرب أعراس أشعر وكأنني حصلت على جائزة كبرى، ومنذ أكثر من عشرين سنة ينتابني ذات الشعور كلما خرج من حياتي واحد من هؤلاء 


9

حياتي عبارة عن عدد لا يحصى من المشاكل الصغيرة إن رصدتها دفعة واحدة رأيتها كجبل شاهق يغر بالسقوط الحر انتحاراً من أعلى قمته، وإن نثرتها في الفضاء صارت ضباباً كثيفاً، أشق دربي فيه بعناد بغل في حراثة أرض بور.
الحب تحايل على مرارة الوقت، والكره تسلية الحمقى لطرد الموت الآتِ في أوانه.



10


من السهل جدا ان تكون محبا أو على الأقل أن تتظاهر بحب الآخرين طالما ذلك لا يكلفك سوى كلمة عابرة تطلقها دون عناء واضطراب في مشاعرك الحقيقية ..
لا تمنح ثقتك للذين يستسهلون اطلاق مفردات عاطفية هم اكثر الناس متقلبون في عواطفهم .



11


عودت نفسي ألا أتحدث بأمور يعرفها الجاهل قبل المثقف، بل أتحدث بأمور لا يطالها الجاهل وينبعص منها المثقف

12

لم أقل لأية امرأة أحبك وللتعبير عن ذلك حين الوجوب أثرثر بألف قصة مفككة الفكرة وبسرد رديء كأنني أمام البابا أطلب الغفران عن ذنب قديم قد نسيت تفاصيله

13

أهم درس نلته من فشلي في الكتابة هو أنني حين الكتابة لم أغادر الأرض لمترين على الأقل أعلى من "إيفرست"، ولم أحرر رقبتي من رسن "عقدة" البحث عن المعنى النبيل، كتبت في المستقنع ذاته، مستعيناً ببوصلة مستعملة، إن تعطّل مؤشره أو عمل بصواب فهو يشير لجهة اللا نجاة من القبح.
بالمناسبة الكتابة الناجحة ليست تلك التي تحظى بمديح عال من القارئ إنما تلك التي تشعر كاتبه فور إنتهائه من الكتابة بأنه لم يعد لديه شيء ليقوله للعالم


14


يقول لي صديقي السوداني بفضل الماريغوانا أستطيع أن ابتسم للحياة، أبتسم لوجهي المشوه في مرآة الحلاقة صباحاً، أبتسم لعصفور بحلق في بلادتي لثوان من خلف الزجاج ثم أفرغ جوفه من الخراء على شرفتي وطار، أبتسم كلما فتحت صندوق بريدي لأقرأ فواتير الكهرباء والماء والسكن والتأمين الصحي، أبتسم للبجع الناصع ببياضه يعوم على ماء بحيرة قذرة رامياً رجله الايسر على ظهره كأنه في جلسة استرخاء الأركيلة، أبتسم للعاهرة التي ضاجعتها في ليلة الأمس وفي هذا المساء عبرت بقربي على رصيف فارغ كغريبة لا تعرفني، أبتسم لخبر عن صعلوك استثمر ألام وحماقات معارفه ليكتب قصصاً طريفة فنال جائزة نوبل، أبتسم لإمرأة تحضن كلبها لتدفئه من لسعات البرد وتنظر لي على أنني كائن نكرة لا أستحق بصقة، أبتسم لك يا صديقي لأنك تسرف وقتا ثمينا لديك وبعض رصيدك اللغوي لترشدني إلى ابتسامة مختلفة !! اسحب المارغوانا وابتسم دون أنين وضجيج .



15


أكبر وهم يستحوذ على الانسان اعتقاده بأنه ذو أهمية بالغة وأن كل عيون البشر لا تزيح عن متابعة انشطته ..ربما لهذا السبب تفشى ثقافة الكذب للحفاظ على أناقة الوهم الجميل

16

أبيخ هواية اخترعها الانسان هي الحب ..
فقط كي يشرك أخرين بموته قال لهم أحبكم 


17


الزعيم السياسي مثل الحذاء إن لم تلمعه لن يفرش لك الطريق نحو الارتقاء في المنصب

18

معشر الحمير لا يخوضون معارك جماعية أبداً لأنهم لا يعرفون دلالة كلمة الحق ...لا الحق الإلهي ولا حق الوطن ولا حق تقرير المصير ولا حق الزوجة على الزوج وبالعكس ولا حق الجار على الجار ...هؤلاء حمير ولا يعرفون الحق والحقوق ومبادئ العدالة

19



نصبت أمام الدار فخاً لفأر شاهدته صدفة في الجنينة بعد ساعتين وقع عصفور دوري بين فك الفخ، صفنت طويلاً بمشهد العصفور المشنوق، استرجعت أراء المفسرين والشارحين للحياة، من رواقية زينون إلى قدرية سنسويه إلى جبرية الجهم بن صفوان إلى عقلانية كانط وشك ديكارت وسوريالية بروتون وواقعية هيغل وذرائعية وليم جيمس و انطولوجيا هيدغر وعبثية كامو ووو... لم أجد تفسيراً روحياً أبرر بها حماقتي..أنهيت جلسة التأمل في الموت بتوبيخ نفسي على جرم اقترفته بلا سبب مقنع وليس في سياق الدفاع عن الذات، بأن الفأر كان خارج جدران بيتي يسرح ويمرح بحرية ومزاج عال لما تربصت به لأقتله

20

حتى الآن لم أصادف كلب سويسري ساخط من وجودي في سويسرا إنما صادفت ساخطون كثر من البشر المعبأ رؤوسهم بأفكار وقيم انسانية نبيلة

21

القراءة لا تُنبت في الروح النتنة ورداً إنما قد تجعل اللسان مهذباً في الكلام ليس أكثر

22


لا تأخذ الحياة على محمل الجد، وإن أخذتها لا تذهب لسوق القردة سيخلعون سروالك ليتضاحكوا على مؤخرتك، اذهب لسوق الحمير، هناك ستجد العبوس والجدية واللباقة على أتم مفاعيلها

23


لا أؤمن بأن هناك حياة أخرى بعد الموت، وكذلك لا أؤمن بأن هذه الحياة هي كل شيء، هناك حصّة مفقودة من الحياة تجعلني أستكين رهبة كماعز متسلق حافة منحدر سحيق، أنتظر نسراً ينتشلني عشاءاً لصغاره أو زلزال يرجّ ثبات الصخرة تحت قدمي.. القلقون يضيق بهم أرض مستو على رحب السلامة

24


طوبى للذي أوصل العقل لمنتهاه وشرع بالعيش في فوضى الخيال ..
إلى صديقي الذي لن أسميه خشية القاصرين حساً لاتهامه بالجنون ..
حملقت اليوم مطولاُ بعصفور يعبث بالثلج ابتهاجاً، وبجانبه غراب يتدحرج بثقل سواده في حيزه ويسرق منه حفنة الفرح البارد، فيطير عالياً بلا مبالاة، خيّل لي المشهد كزوبعة ورد تفرّ من ثنايا كومة قمامة

25

برتابة حكاية مملة ينتهك نتف الثلج الأبيض حرمة سواد هذه الليلة..داهمتني بردوة مفاجئة كملمس يد امرأة تحتضر . أتابع بشغف عنكبوتاً يتعثر بقوائمه السلكية الرفيعة الطويلة جدا تسلق شاشة التلفاز . أتكاسل بمد يد العون له كي ينجح ويلج ثغر فنان مسخ يتحدث عن غد مشرق وجميل

26

الكل يتقاتلون لأجل الكرامة والكل بلا كرامة ..
بعد شوط من الحرب وبساتين من الجثث لا ينفع سؤال من بدأ الحرب ..
الإنسان مازال مسيّر بالغريزة الحيوانية رغم استعماله أخر منجزات العقل في التدبير


27


حتى المتشائم في مجتمعنا يضع ربطة عنق وعطر آزار بعد نتف شعيرات غير منسقة من حواجبه..نحن سفّهنا محتوى كل فكرة .. نحن بشر كاذبون في كل شيء ندعيه ..في التفاؤل والتشاؤم والديمقراطية والحرية والوطنية ووو

28

يقال إن لم تكن وسيماً كن غنياً بالمال
ومن لا يملك الوسامة والمال إما أن يصبح فناناً عظيماً مستهتراً أو متسولاً يشخ على أثر المعنى فوق كل رصيف 

29

النص الذي لا يجعل من عشرين قارئاً مختلفي المشارب في التذوق الأدبي يتعثرون في التأويل إنه نص غير ابداعي والكاتب يكون أقل موهبة من القارئ 

30


المرأة التي استبدلت حب رجل بحب كتاب ستعضّ قلبها ندماً بعد ترهل المعنى في أفق شرفتها ..
كما الرجل الأحمق الذي يرى في الوطن حبيبة ويقتل من يحبها في الضفة المعاكسة له منتشياً بوهم أنه يضاجع امرأة جميلة حباً وعشقاً قاتلاً 

31


الإنحياز يعني أن تغمض عين وترى بواحدة، والحياد المطلق أن ترى بعينين كل القبح في الطرفين، أما الجمال فلن تجده أبداً في ثنايا صراع القِباح

32



الأغلبية الساحقة من البشر يموتون قبل أن يدركوا بأن كل الطرق المؤدية إلى روما صحيحة وتفيد بالوصول .. فقط من أدرك لن يموت هباءا في ساحة معركة أو على مفترق الطريق

33

تلك المرأة التي لا تحب الرجال دخلت إلى غرفتها على هيئة مزهرية فوضعت كل ورودها في جوفي وهي تحمد الله على نعم الدنيا 


34

الذين استشهدوا دفاعاً عن فكرة باطلة أضعاف من استشهدوا دفاعاً عن النفس ..
غالباً تكون الفكرة الباطلة مغلفة بشعارات انسانية نبيلة
مازالت صفة الحماقة على البشر سارية المفعول

35



لا تقل لشخص هذا الطريق أفضل من ذاك، إن كنت تحبه وتريد له الخير والمتعة، قل له : كل الطرق تؤدي إلى ذاتك إن كنت تبحث عنها..


36

الفن لا غاية له سوى الجمال، إنما الفنان الذي لم تنضج روحه بعد يرضخ لرغبة المتلقي العادي فينتج فناً سطحياً واضح الفكرة ونبيل الغاية



37

لأنني لا أستطيع إصلاحه أخطاء الواقع بمعتقداتي وآمالي، لا بقصيدة احتجاجية أو رواية أعيد فيها صيانة العطب ولا لوحة ملونة أحجب فيها الشواذ في المشهد ولا قطعة موسيقى تنتشلني من صحو اليقظ..كل هذه التدابير بمثابة خدعة استبدال أخطاء بأخطاء أخرى ..
لا أستطيع إصلاح الواقع إلّا بطريقة أن أجد نفسي فيه كخطأ لا مرئي لمحترف ثقافة بصرية 



38































الخميس، 10 أغسطس 2017

ظل اللامعنى







محمد جيجاك

بقليل من المقاومة أصدُّ ريح عاصفة
أما رائحة عنقكِ
يلوّحني في الفراغ  كفراشة الضوء

.....

سيرة حياتي كمربعات تسلية كلمة السرّ
 أشطب وأشطب 
أسماء العابرين بي صدفة وعن قصد
 أسماء الأمكنة التي مررت بها عنوة أو طوعاً
أسماء المشاهير في التاريخ و الحاضر والمستقبل
أسماء الحيوانات والنباتات وورود الشرفة
ما من مربع مفتوح ومغلق ولم أمر به  
لم يبقى حرفاً غير ملوث بحبر قلمي
ولأنني لم أعثر على كلمة السر في حياتي
مسحت بالجريدة حذاء الوقت 
لأنتعله بأناقة جديرة بي

...... 

يدهشني الكاتب الذي يتذكر كل ما كتبه 
يوحي لي أن له رأس كثلاجة تحافظ على البضاعة الفاسدة

.......


أكتب الشعر أو قصة أو رواية
 حين ينضب انفعالي اقرأها لأكتشف كم من السخف العميق كتبته
 ثم أرميها في سلّة المهملات بلا ندم، كما أفعل مع نتاجات أصدقائي 
هل سيختلف شيء؟
أعتقد أن شيئاً لن ينقص من روحي حين أخسر نفسي ككاتب سيختص في بوح الهراء

...... 

ليس لي ملامح واضحة 
 لأن قلبي رصين كرمل جُرف دهراً حتى مستقره

......


حزني لي 
لا شأن لك به 
يمكنك إلقاء نظرة وتعبر 
كما تعبر بمقبرة نائية
 مبتسماً 

.......

أحفر في ظلّي عميقاً
لأستقر في عتمة آخر النفق

.....

لا أترك بابي مفتوحاً وأنا في إنتظار أحد 
 إن لم يكن زائري لصاً
سيطرق الباب إن كان مفتوحاً أو مغلقاً
.......

حين أصل إلى مفترق طرق أدرك أن للجهات معنى قاتل

......

في المدينة التي لا أصدقاء لي فيها 
ابتسم لكل الغرباء 
حتى لو قالوا عني أبلهاً ..
أعذرهم 
لأن الابتسامة كلام 
والكلام بضاعة رخيصة

....... 

حين أكتب ليس غايتي قول أنني كتبت هذا 
الكتابة كعواء الذئب
نداء لوليمة فاجرة
إنذار لحلول كارثة 
لهو لتسجية التيه

.........


 لن أهدر الدمع في قراءة مآسي البشر
حين أخلو لنفسي
أهدر نهراً من الدمع على كل صورة في ذاكرتي

.......


كلما تهتُ عن شغبي لجئت لقراءة  كتاب
القراءة رسن الإنسان 

......


يطير العصفور حين يتعب من استراحته على غصن الشجرة