الجمعة، 26 يناير 2018

أجير في الحياة





عنوان الكردي" أجير في الحياة" 
     _ محمد جيجاك _

أجير في سوق الهال
أجير في سوق الحرامية
أجير في سوق المدينة
في سوق النسوان
في سوق الذهب
في مطاعم بستان كل آب
في الفنادق القذرة
في الحدائق بجوار صندوق البويا يقيس درجة انعكاس ضوء الشمس عن أحذية المارة
أجير في المقاهي الثقافية ومقاهي القمار التي يجيد لعبها بمهارة الخاسر أبداً
أجير في اتحاد الكتاب
في نقابات العمال
في مؤسسات المجتمع المدني
في الأحزاب الماركسية واللاماركسية
في صياغة برامجه التحررية
في المعارضة السياسية
أجير لدى النظام الأشد عنصرية وديكاتورية
لدى خصومه الأقل أخلاقاً
أجير في الصحافة المكتوبة والمقروءة والمرئية
في دور النشر
في الشعر الفصيح، الثوري والعاطفي
في الرواية  والقصة القصيرة جداً والنص المفتوح كساقي امرأة للأعلى تبتهل لله
أجير في الفلسفة والشذرة الفلسفية
في التفاءول
في التشاؤم
في العقلانية
في الأخلاق
في الحداثة وما بعدها
أجير في حمل السلاح لأجل قضيته

أجير في طريقة دفن شهدائه
أجير في حرب الأخوة
في اختراع وسائل الهرب من قضيته
أجير في الحب
في الكره
أجير في عبادة الله
في إنكار وجود الله
أجير في حياته على أطراف المدن الكبيرة
أجير في ترتيب مقابره
أجير في موته على رصيف الزمن

الأحد، 19 نوفمبر 2017

شذرات طائشة



                                                   شذرات طائشة




2

لست شاعراً 
لكن أستطيع أن اهمس لك بأن المشهد الجانبي لوجهك يشبه ظل غيمة ربيعية على مرج أخضر. 
لست كاتب قصص قصيرة 
لكن سأحدّثك عن ما جرى في القطار بين عجوزين جمعتهم الصدفة بعد فراق نصف قرن .. ظلّتا تحدقان ببضعهما حتى ابتسمت احداهما فأدمعت الأخرى وصاحت بصوت مخنوق ..ماريا ايزابيلا ! ماريا فتحت ذراعيها كبديل تعثرها في النهوض ترحيباً بسبب سقوط عكازتها من متناول يدها، جحظت عيناها حتى احتضنت صديقتها القديمة وتشمما بعضهما مثل كلبين..تصوري، كانت ماريا محتفظة بذات ابتسامة صباها كتذاكر من أصدقاء أحبتهم !
لست روائياً
لكنني أستطيع التحدث مطولاً عن ابتسامتك الرمادية وعن سر ضوء عينيك الخافت و ثدييك المترهلتين قبل أوانه
لست فليسوفا
لكن أستطيع أن أصمت طوال حضورك . أفكر بجسدك النحيل وأنا أتابع بنظراتي عامل النظافة كيف يتلقف أعقاب السجائر بلطف وأناقة من أطراف مقاعد الحديقة



3


المرأة التي لا أعرفها
رأيتها صدفة
صباحاً في محطة القطار
مساءاً على جسر كابيلا
بعد منتصف الليل في خمارة صغيرة 
على صفحة الفيس بوك، انستغرام، تويتر
لا أعرف ..
تلك المرأة تنفع كقطع تبديل لحلم قديم


4


ولأنني أجيد انتظار اللا شيء
كل امرأة مرّت من حيزي على ضفة البحيرة
تخيلتها دريئة متحركة
وكل رجل عبر على خلاف اتجاهه
اعتبرته خصماً لي في المبارازة 
على إصابة الدائرة الحمراء الكبيرة
ولأنني أجيد خسارة كل شيء
أرمي سهامي ولا أنتظر النتيجة



5




أعضّ أصابعي للعشرة تريثاً
وأرتكب الحماقة
ثم أعضّها مرة أخرى ندماً
رغم لذة الحماقة


6


بأظافرها تحرث ظهري
تنفخ الهواء لينبت لهاثاً
النجوم تتهاوى ثمرة ثمرة


7


كلما مررت بمحطة القطار رميت بقُبلة في الفراغ
لينداح الهواء الراكد وتلامس أشلاء قبلتي خد امرأة ما
مثلي تماما ..ليس لها أحد تودّعه أو تستقبله


8


المرأة ترغمك على كتابة الشعر والغناء حين لا تمنحك فرصة للعواء



9


أنا وأنتِ ..
كساعتين معلقتين على حائط واحد
تشير كل واحدة لوقت مختلف
لكن عقرب الثواني مواظب على عمله لا يبالي أبداً بفرق الزمن بيننا


10

يلزمني الكثير من الحكمة حتى أفهم غموض عباراتك المنبعثة من عينيك ورجفات شفتيك..
هل تقصدين استحضار لحظات منكسرة من بين ركام الذاكرة لترميمها،
أم شغف لاحتضان الموت الذي انتظرتيه طويلاً والآن ماثل بين يديك ؟


11

كالمطرقة والسندان نتحاور كل ليلة 
لا أنا مسمار من فضة ولا أنت جذع شجرة الشوح


12

أخطأت حين قلت لها أنت فراشة، فصرتُ أطاردها مثل طفل يبكي حليب أمه 


13


إن توقفت عقارب الساعة عن الحركة يتوقف الزمن تماماً عن السير إلى حتفه، تماماً ، كما أصابعك حين تتوقف عن العبث بالوقت في جثتي.

14

المحكومين بالمؤبد أملهم الوحيد بالنجاة هو حدوث زلزال يحطم جدران السجن تماماً مثل الذين يشعرون بالحياة كصخرة جاثمة على صدورهم 

15

صادفت إمرأة في زحمة فراغ المكان كما يصادف كهل مسالم طلقة طائشة في زحمة حرب العصابات، امرأة، عبرت المكان وجسدي بإبتسامة حارة كمقاتل غرّ انتشى بتوصيبته المحققة 

16

ليس وجودي في الحياة فقط لأحب أو أكره ..بل لأعيش كيفما اتفق .. وفي الطريق إن صادفت ما يستحق قول في الحب أو الكره قلته دون تردد ..الحالتين سواء ..تعبير عن شعور صادق 

17

كثافة وجود الحمقى لا تجعلني كئيباً، إنما صامتاً حين أشرب الخمر، أو ثرثار بلا طائل عن اللامعنى

18


لا أشتر رواية لأقرأ قصة مأساوية أو حكاية حب أصادفها واقعياً كل يوم .أشتر كتاباً يرشدني للصمت حيال تلك القصص


19


لا أقرأ كتاباً غصباً عني كل كتاب قرأته حتى النهاية كان غصباً عنه ..
الكتاب الذي يقرأ لإعتبارات خارج نصه كمن يرغم كلباً على صيد لا مزاج له فيه 


الجمعة، 17 نوفمبر 2017

شذرات طائشة



                                     


                                                                              شذرات طائشة


ذات مرّة قلت لها أنتِ غزالة، فصارت تأتيني في كل شوق وثباً، ترفع ابطها لأدوخ في العنبر


1


الملتزمون بالخطوط العريضة للعيش الكريم " أمن اجتماعي- أمن مادي" هؤلاء الأكثر إفساداً لجمال الحياة ..لولا الفوضويون والمغامرون لكانت الحياة نعل حذاء تشقق عطشاً تحت شمس حارقة 

2

الإنسان خطّاء والذي لا يكرر أخطائه حمار ..
التاريخ شهد عشرين ألف حرباً " انسانياً " والنتيجة لم تتغير ، إنما الحمار لا يقع في ذات الحفرة مرتين، لأنه حمار لا يكرر خطأه

3


لو لم تكن الماريغوانا وتدرجاتها مباحة في الغرب لكان الإنسان الغربي أكثر شراسة من أي إنسان آخر في العالم.
لو لم تكن الفلسفة وتفرعاتها مباحة في الغرب لكان الإنسان الغربي أكثر طائفية وعنصرية من أي إنسان في العالم 
لو لم يكن الجنس مباحاً في الغرب لكانت سجونهم مليئة بسفاحي القربى ومجرمي غسل العار 
لو لم تكن عزلة الفرد مصونة في الغرب لكانت شوارعهم مليئة بالمجانين والعصابيين والمقهورين
لو لم تكن الموسيقى أكثر فن مقدس في الغرب لكانت أجراس الكنائس المسبب الأول للهستريا وتلوث السمع ..


4


حين يملّ الله من مراقبة الرتابة في أوروبا ينثر الثلج ليحجب كل التفاصيل بلون البياض..

5

هناك نوعان من التكابر، الأول، هو التخلي عن أي شيء بسهولة مهما كان قيماً، والثاني، هو اقناع الآخر عنوة بأنك كبير ولو بإجراءات مرنة شديدة اللطف والتهذب 

6

هناك أشخاص تنفر منهم بمجرد أن تتفرس لحظات في صورته قبل أن تتكلم معه بأية كلمة، وهناك أشخاص تكرههم ولا تستطيع التعبير عن كرهك له خجلاً من محبته المفرطة لك لدرجة إن قال لك مرحبا وهو يبتسم تشعر وكأنه يقول لك " كس أمك" لكنك تبلع ريقك وترد " أهليييين " على طريقة زياد الرحباني، وهناك أشخاص ترتاح لوجودهم بقربك حتى لو كان عابساً طوال الوقت مثل امرأة عانت دهراً من كارثة القذف السريع لزوجها والخجل غير فيها مسار التعبير عن سخطها من الحياة، وهناك أشخاص حلوين على بعد كيلو متر واحد منك، إن اقترب خطوة أو ابتعد خطوة أفسد جمال حضوره

7

من السهل أن تكتب عبارة غامضة ويتسابق على فهمها الفهمانيين لكن من الصعب أن تكتب عبارة واضحة ولا يفهمها أحد 

8

حين كنت مراهقاً ما أن ألتقي بالصدفة بكاتب أو شاعر أو سياسي أو مطرب أعراس أشعر وكأنني حصلت على جائزة كبرى، ومنذ أكثر من عشرين سنة ينتابني ذات الشعور كلما خرج من حياتي واحد من هؤلاء 


9

حياتي عبارة عن عدد لا يحصى من المشاكل الصغيرة إن رصدتها دفعة واحدة رأيتها كجبل شاهق يغر بالسقوط الحر انتحاراً من أعلى قمته، وإن نثرتها في الفضاء صارت ضباباً كثيفاً، أشق دربي فيه بعناد بغل في حراثة أرض بور.
الحب تحايل على مرارة الوقت، والكره تسلية الحمقى لطرد الموت الآتِ في أوانه.



10


من السهل جدا ان تكون محبا أو على الأقل أن تتظاهر بحب الآخرين طالما ذلك لا يكلفك سوى كلمة عابرة تطلقها دون عناء واضطراب في مشاعرك الحقيقية ..
لا تمنح ثقتك للذين يستسهلون اطلاق مفردات عاطفية هم اكثر الناس متقلبون في عواطفهم .



11


عودت نفسي ألا أتحدث بأمور يعرفها الجاهل قبل المثقف، بل أتحدث بأمور لا يطالها الجاهل وينبعص منها المثقف

12

لم أقل لأية امرأة أحبك وللتعبير عن ذلك حين الوجوب أثرثر بألف قصة مفككة الفكرة وبسرد رديء كأنني أمام البابا أطلب الغفران عن ذنب قديم قد نسيت تفاصيله

13

أهم درس نلته من فشلي في الكتابة هو أنني حين الكتابة لم أغادر الأرض لمترين على الأقل أعلى من "إيفرست"، ولم أحرر رقبتي من رسن "عقدة" البحث عن المعنى النبيل، كتبت في المستقنع ذاته، مستعيناً ببوصلة مستعملة، إن تعطّل مؤشره أو عمل بصواب فهو يشير لجهة اللا نجاة من القبح.
بالمناسبة الكتابة الناجحة ليست تلك التي تحظى بمديح عال من القارئ إنما تلك التي تشعر كاتبه فور إنتهائه من الكتابة بأنه لم يعد لديه شيء ليقوله للعالم


14


يقول لي صديقي السوداني بفضل الماريغوانا أستطيع أن ابتسم للحياة، أبتسم لوجهي المشوه في مرآة الحلاقة صباحاً، أبتسم لعصفور بحلق في بلادتي لثوان من خلف الزجاج ثم أفرغ جوفه من الخراء على شرفتي وطار، أبتسم كلما فتحت صندوق بريدي لأقرأ فواتير الكهرباء والماء والسكن والتأمين الصحي، أبتسم للبجع الناصع ببياضه يعوم على ماء بحيرة قذرة رامياً رجله الايسر على ظهره كأنه في جلسة استرخاء الأركيلة، أبتسم للعاهرة التي ضاجعتها في ليلة الأمس وفي هذا المساء عبرت بقربي على رصيف فارغ كغريبة لا تعرفني، أبتسم لخبر عن صعلوك استثمر ألام وحماقات معارفه ليكتب قصصاً طريفة فنال جائزة نوبل، أبتسم لإمرأة تحضن كلبها لتدفئه من لسعات البرد وتنظر لي على أنني كائن نكرة لا أستحق بصقة، أبتسم لك يا صديقي لأنك تسرف وقتا ثمينا لديك وبعض رصيدك اللغوي لترشدني إلى ابتسامة مختلفة !! اسحب المارغوانا وابتسم دون أنين وضجيج .



15


أكبر وهم يستحوذ على الانسان اعتقاده بأنه ذو أهمية بالغة وأن كل عيون البشر لا تزيح عن متابعة انشطته ..ربما لهذا السبب تفشى ثقافة الكذب للحفاظ على أناقة الوهم الجميل

16

أبيخ هواية اخترعها الانسان هي الحب ..
فقط كي يشرك أخرين بموته قال لهم أحبكم 


17


الزعيم السياسي مثل الحذاء إن لم تلمعه لن يفرش لك الطريق نحو الارتقاء في المنصب

18

معشر الحمير لا يخوضون معارك جماعية أبداً لأنهم لا يعرفون دلالة كلمة الحق ...لا الحق الإلهي ولا حق الوطن ولا حق تقرير المصير ولا حق الزوجة على الزوج وبالعكس ولا حق الجار على الجار ...هؤلاء حمير ولا يعرفون الحق والحقوق ومبادئ العدالة

19



نصبت أمام الدار فخاً لفأر شاهدته صدفة في الجنينة بعد ساعتين وقع عصفور دوري بين فك الفخ، صفنت طويلاً بمشهد العصفور المشنوق، استرجعت أراء المفسرين والشارحين للحياة، من رواقية زينون إلى قدرية سنسويه إلى جبرية الجهم بن صفوان إلى عقلانية كانط وشك ديكارت وسوريالية بروتون وواقعية هيغل وذرائعية وليم جيمس و انطولوجيا هيدغر وعبثية كامو ووو... لم أجد تفسيراً روحياً أبرر بها حماقتي..أنهيت جلسة التأمل في الموت بتوبيخ نفسي على جرم اقترفته بلا سبب مقنع وليس في سياق الدفاع عن الذات، بأن الفأر كان خارج جدران بيتي يسرح ويمرح بحرية ومزاج عال لما تربصت به لأقتله

20

حتى الآن لم أصادف كلب سويسري ساخط من وجودي في سويسرا إنما صادفت ساخطون كثر من البشر المعبأ رؤوسهم بأفكار وقيم انسانية نبيلة

21

القراءة لا تُنبت في الروح النتنة ورداً إنما قد تجعل اللسان مهذباً في الكلام ليس أكثر

22


لا تأخذ الحياة على محمل الجد، وإن أخذتها لا تذهب لسوق القردة سيخلعون سروالك ليتضاحكوا على مؤخرتك، اذهب لسوق الحمير، هناك ستجد العبوس والجدية واللباقة على أتم مفاعيلها

23


لا أؤمن بأن هناك حياة أخرى بعد الموت، وكذلك لا أؤمن بأن هذه الحياة هي كل شيء، هناك حصّة مفقودة من الحياة تجعلني أستكين رهبة كماعز متسلق حافة منحدر سحيق، أنتظر نسراً ينتشلني عشاءاً لصغاره أو زلزال يرجّ ثبات الصخرة تحت قدمي.. القلقون يضيق بهم أرض مستو على رحب السلامة

24


طوبى للذي أوصل العقل لمنتهاه وشرع بالعيش في فوضى الخيال ..
إلى صديقي الذي لن أسميه خشية القاصرين حساً لاتهامه بالجنون ..
حملقت اليوم مطولاُ بعصفور يعبث بالثلج ابتهاجاً، وبجانبه غراب يتدحرج بثقل سواده في حيزه ويسرق منه حفنة الفرح البارد، فيطير عالياً بلا مبالاة، خيّل لي المشهد كزوبعة ورد تفرّ من ثنايا كومة قمامة

25

برتابة حكاية مملة ينتهك نتف الثلج الأبيض حرمة سواد هذه الليلة..داهمتني بردوة مفاجئة كملمس يد امرأة تحتضر . أتابع بشغف عنكبوتاً يتعثر بقوائمه السلكية الرفيعة الطويلة جدا تسلق شاشة التلفاز . أتكاسل بمد يد العون له كي ينجح ويلج ثغر فنان مسخ يتحدث عن غد مشرق وجميل

26

الكل يتقاتلون لأجل الكرامة والكل بلا كرامة ..
بعد شوط من الحرب وبساتين من الجثث لا ينفع سؤال من بدأ الحرب ..
الإنسان مازال مسيّر بالغريزة الحيوانية رغم استعماله أخر منجزات العقل في التدبير


27


حتى المتشائم في مجتمعنا يضع ربطة عنق وعطر آزار بعد نتف شعيرات غير منسقة من حواجبه..نحن سفّهنا محتوى كل فكرة .. نحن بشر كاذبون في كل شيء ندعيه ..في التفاؤل والتشاؤم والديمقراطية والحرية والوطنية ووو

28

يقال إن لم تكن وسيماً كن غنياً بالمال
ومن لا يملك الوسامة والمال إما أن يصبح فناناً عظيماً مستهتراً أو متسولاً يشخ على أثر المعنى فوق كل رصيف 

29

النص الذي لا يجعل من عشرين قارئاً مختلفي المشارب في التذوق الأدبي يتعثرون في التأويل إنه نص غير ابداعي والكاتب يكون أقل موهبة من القارئ 

30


المرأة التي استبدلت حب رجل بحب كتاب ستعضّ قلبها ندماً بعد ترهل المعنى في أفق شرفتها ..
كما الرجل الأحمق الذي يرى في الوطن حبيبة ويقتل من يحبها في الضفة المعاكسة له منتشياً بوهم أنه يضاجع امرأة جميلة حباً وعشقاً قاتلاً 

31


الإنحياز يعني أن تغمض عين وترى بواحدة، والحياد المطلق أن ترى بعينين كل القبح في الطرفين، أما الجمال فلن تجده أبداً في ثنايا صراع القِباح

32



الأغلبية الساحقة من البشر يموتون قبل أن يدركوا بأن كل الطرق المؤدية إلى روما صحيحة وتفيد بالوصول .. فقط من أدرك لن يموت هباءا في ساحة معركة أو على مفترق الطريق

33

تلك المرأة التي لا تحب الرجال دخلت إلى غرفتها على هيئة مزهرية فوضعت كل ورودها في جوفي وهي تحمد الله على نعم الدنيا 


34

الذين استشهدوا دفاعاً عن فكرة باطلة أضعاف من استشهدوا دفاعاً عن النفس ..
غالباً تكون الفكرة الباطلة مغلفة بشعارات انسانية نبيلة
مازالت صفة الحماقة على البشر سارية المفعول

35



لا تقل لشخص هذا الطريق أفضل من ذاك، إن كنت تحبه وتريد له الخير والمتعة، قل له : كل الطرق تؤدي إلى ذاتك إن كنت تبحث عنها..


36

الفن لا غاية له سوى الجمال، إنما الفنان الذي لم تنضج روحه بعد يرضخ لرغبة المتلقي العادي فينتج فناً سطحياً واضح الفكرة ونبيل الغاية



37

لأنني لا أستطيع إصلاحه أخطاء الواقع بمعتقداتي وآمالي، لا بقصيدة احتجاجية أو رواية أعيد فيها صيانة العطب ولا لوحة ملونة أحجب فيها الشواذ في المشهد ولا قطعة موسيقى تنتشلني من صحو اليقظ..كل هذه التدابير بمثابة خدعة استبدال أخطاء بأخطاء أخرى ..
لا أستطيع إصلاح الواقع إلّا بطريقة أن أجد نفسي فيه كخطأ لا مرئي لمحترف ثقافة بصرية 



38































الخميس، 10 أغسطس 2017

ظل اللامعنى







محمد جيجاك

بقليل من المقاومة أصدُّ ريح عاصفة
أما رائحة عنقكِ
يلوّحني في الفراغ  كفراشة الضوء

.....

سيرة حياتي كمربعات تسلية كلمة السرّ
 أشطب وأشطب 
أسماء العابرين بي صدفة وعن قصد
 أسماء الأمكنة التي مررت بها عنوة أو طوعاً
أسماء المشاهير في التاريخ و الحاضر والمستقبل
أسماء الحيوانات والنباتات وورود الشرفة
ما من مربع مفتوح ومغلق ولم أمر به  
لم يبقى حرفاً غير ملوث بحبر قلمي
ولأنني لم أعثر على كلمة السر في حياتي
مسحت بالجريدة حذاء الوقت 
لأنتعله بأناقة جديرة بي

...... 

يدهشني الكاتب الذي يتذكر كل ما كتبه 
يوحي لي أن له رأس كثلاجة تحافظ على البضاعة الفاسدة

.......


أكتب الشعر أو قصة أو رواية
 حين ينضب انفعالي اقرأها لأكتشف كم من السخف العميق كتبته
 ثم أرميها في سلّة المهملات بلا ندم، كما أفعل مع نتاجات أصدقائي 
هل سيختلف شيء؟
أعتقد أن شيئاً لن ينقص من روحي حين أخسر نفسي ككاتب سيختص في بوح الهراء

...... 

ليس لي ملامح واضحة 
 لأن قلبي رصين كرمل جُرف دهراً حتى مستقره

......


حزني لي 
لا شأن لك به 
يمكنك إلقاء نظرة وتعبر 
كما تعبر بمقبرة نائية
 مبتسماً 

.......

أحفر في ظلّي عميقاً
لأستقر في عتمة آخر النفق

.....

لا أترك بابي مفتوحاً وأنا في إنتظار أحد 
 إن لم يكن زائري لصاً
سيطرق الباب إن كان مفتوحاً أو مغلقاً
.......

حين أصل إلى مفترق طرق أدرك أن للجهات معنى قاتل

......

في المدينة التي لا أصدقاء لي فيها 
ابتسم لكل الغرباء 
حتى لو قالوا عني أبلهاً ..
أعذرهم 
لأن الابتسامة كلام 
والكلام بضاعة رخيصة

....... 

حين أكتب ليس غايتي قول أنني كتبت هذا 
الكتابة كعواء الذئب
نداء لوليمة فاجرة
إنذار لحلول كارثة 
لهو لتسجية التيه

.........


 لن أهدر الدمع في قراءة مآسي البشر
حين أخلو لنفسي
أهدر نهراً من الدمع على كل صورة في ذاكرتي

.......


كلما تهتُ عن شغبي لجئت لقراءة  كتاب
القراءة رسن الإنسان 

......


يطير العصفور حين يتعب من استراحته على غصن الشجرة




Ermïtê






محمد جيجاك

لم أكن أواعدها أبداً، كما العشاق الملهوفين، لا في الحدائق والكافتريات، أو المطاعم المنزوية، كنت دائم الطمأنينة من أنني سأراها في يوم النوروز، كما كل نوروز في الأعوام  السابقة.
لم يكن الزحام الكبير في النوروز يعيقني بالعثور عليها، كانت كباقة ورد، تنسج خيطاً من طيبها لترشدني إلى ركن تواريها
كانت تطوف بالحفل الصاخب كحاجّة شديدة الورع، وأنا أطوف حولها كمتصوف زنديق، منفصل عن الزمان والمكان.
 أصادفها وجهاً لوجه بين شجيرات البلوط، نبتسم لبعضنا كما الابتسامات السابقة، من كل نوروز مات، ثم نتدحرج على الصخور المغسولة بمطر طازج، كسنّورين اتفقنا همساً، على أن للورد رائحة أذكى من رائحة دم الضحية،  أقطف لها نرجسة بنفسجية فتردها لي نرجسة صفراء ...
لا نثرثر في أمور نفهمها، ولا نفهمها، نرتاح على حافة مطلّة على واد عميق، نضحك كجروين ناضجين، يبذران الوقت الثقيل، لهواً   فجأة تتحرش بصمتي وتسألني كغريبة عن وطنها:
ما اسم تلك القرية؟
 خاصا
 وتلك ؟
 اصلاحية
و تلك ..وتلك ..وتلك ..
ثم تضغط على يدي قائلة بحزن:
- أريد أن أجوب العالم كله ذات يوم
منذ ثلاثين نوروز تَركتْ وتركتُ أثرنا هناك، ليجوب كل منا عالمه، ولا نوروز في أي مكان كي أتربص بفرصة برائحتها.





الخميس، 29 يونيو 2017

مقامر من الطراز السيء






محمد جيجاك
كنا حين ينفد صبرنا حتى ينقطع التيار الكهربائي لنتوقف عن العمل ونهرع مسرعين لمقهى “جميل هورو” القريب. كنا أربع مراهقين شغيلة ورشة الخياطة في حي الشيخ مقصود الغربي. نمكثُ في المقهى لساعات حتى يصحى ضمير موظف شركة الكهرباء ويقوم بإعادة توصيل التيار لنعود للعمل منهكين من اللعب وشرب الشاي الزنخ وتدخين عشرات السجائر. زميلنا خمشان صاحب أقذر لسان بيننا، كان يشتم أم موظف شركة الكهرباء في لحظة قطعه لتيار الكهرباء ولحظة وصله، أمّا أنا الذي كنت الوحيد بينهم أعرف القراءة والكتابة كنت أشتم الحكومة بدون ذكر اسم رئيس البلاد.
في أول يوم قطع فيه التيار الكهربائي ودخلنا المقهى لعبنا لعبة “التريكس” كتسلية لقضاء الوقت، لكن لعبة التريكس لا تستغرق أكثر من ساعة أما انقطاع الكهرباء يطول لساعات مما أجبرنا على تكرار اللعبة أكثر من مرّة فمللنا منها. في اليوم الثاني لعبنا لعبة “الكونكان” وجدناها تفتقر للمتعة وأنها لعبة حظ ولا يلزمها الكثير من الذكاء ومهارات المناورة. في اليوم الثالث لعبنا لعبة “البلوت” اللعبة التقليدية لعجزة الكرد، لم أكن أعرف قوانينها، تعلمتها على عجل، فتركناها بسبب أدائي السيء. في اليوم الرابع اقترح زميلنا خشمان أن نلعب لعبة “الفتوح بالعشرة” السريعة والخفيفة، وأضاف لاقتراحه شرطاً آخر ليضفي الحماس على اللعب، بأن الاثنان الخاسران سيدفعان ثمن القهوة عن الاثنين الرابحين أيضاً.اتفقنا وتحوّل لعبنا من اللهو المستهتر للمنافسة الجادة، فلم نعد نهتم بأمر الكهرباء إن طال انقطاعها أو قصر.
مضى شهر على الحكاية المأساوية للكهرباء، خلالها أصبحنا رواداً مياومين في المقهى، نلعب القمار وننتظر الحكومة حتى تعالج العطب في محطة توليد الكهرباء. كانت الحكومة تتحجج بشحّ ماء نهر الفرات في الصيف الحار، وتركيا تقول من حقها بناء سدّ أتاتورك العظيم والإستفادة من ماء نهرها والفائض عن حاجتها ستتركه لجيرانها، أما إذاعة الهيئة البريطانية من لندن التي كنت مولعاً بسماعها، لأنها أكثر إذاعة تأتي على سيرة الكرد في تركيا وايران والعراق، كان لها رأي آخر حيث كررت لأكثر من مرة أنّ تركيا بَنت سدّ أتاتورك لتحجز ماء نهر الفرات عن جارتها سوريا وأنها لن تطلق سراح الماء حتى تتوقف السلطة السورية عن دعمها للآبوجيين. بينما كانت الحكومتان تتبادلان الاتهامات وحبك المؤامرات ضد بعضهما كنا نرتقي بلعبنا لورق الشدّة صوب الاحتراف أكثر. كنت الوحيد من بين زملائي الثلاث أتابع أخبار سورية عبر محطات إذاعية خارجية، فكلما نقل الأخبار عن الآبوجيين أنهم نفّذوا عملية عسكرية ضد الجيش التركي قلت لزملائي اليوم ستنقطع الكهرباء ساعات إضافية أخرى.
عقب كل عملية عسكرية للآبوجيين صعّد كنعان ايفرين لهجة تهديده لسوريا، بينما حافظ الأسد ينكر بلغة باردة دعمه للآبوجيين، في المسافة الزمنية بين زعيق ايفرين ونعيق الأسد صرنا زبائن رسميين لمقهى القمار الصغير القذر.
تطور لعبنا من التسلية لدفع ثمن القهوة ثم لدفع ثمن الغداء “سندويشة فلافل على الأقل” ثم ارتقينا لذروة المنافسة حيث يراهن كل منا على النقود التي في حوزته والرابح يحتفظ بالنقود ويرحل لحال سبيله.
في التجربة الأولى للعب القمار وفق الأصول السرّية المتبعة في المقهى خسر زميلنا مستو خمسين ليرة، أنا لم أخسر ولم أربح شيئاً، ريزان خسر عشر ليرات، الرابح الوحيد كان خشمان، صاحب الاقتراح الذي لا يحمد عليه بتحويل التسلية لفعل منافسة جادة. حاول مستو أن يستدين من أحد ليكمل اللعب فلم يجد من يديّنه، شحب لون وجهه، صارت سحنته غامقة كبقعة القهوة الجافة على الشرشف البني الممدود على الطاولة الحديدية، ترقرق الدمع في عينيه، تأملت يديه ترتجفان من القهر، بدا قلبي ينقبض تعاطفاً مع مأساته، لكنني تماسكت ولم أديّنه المائة ليرة التي أخفيتها في الجراب داخل حذائي، كي لا يسهل عليّ إخراجها في لحظة انفعال. وكنت قد حلفت اليمين قبل الشروع باللعب بأنني لا أملك سوى عشرون ليرة. خشمان هو الذي ربح كل نقود مستو وريزان، وأخذ يضحك كالقحبة بملء شدقيه، ساخراً من الخاسرين. كان من الطبيعي أن يربح خشمان، لقد ورث من أباه مهارة اللعب بالقمار وأيضاً أخلاقه الوضيعة. شككنا بأن خشمان كان يغشّنا أثناء اللعب لكننا لم نتمكن من القبض عليه متلبّساً، وشكنا مرده أنّ أباه طُعن بسكين حتى الموت في المقهى بسبب غشّ مارسه أثناء اللعب. حلف خشمان أن أباه لم يغش إنما ربح مالاً كثيراً في ليلة رأس السنة، فراح يضحك فرحاً لحسن طالعه في العام الجديد لكن الخاسرون قتلوه غيظاً، أما جميل هورو صاحب المقهى “المطرب الزجلي المعروف في عموم كردستان” قال كشاهد عيان على حادثة قتل أبي خشمان ( أنه أكل ورقة ختيار الكبّة خفيةً أثناء اللعب على أنها فتات خبز منسي في جيبه ليتخلص من ورقة زائدة تعيقه على فرش الورق من يديه، حين انتهى من بلع فتات ختيار الكبّة فرش يده معلناً فوزه بتلة النقود الورقية على الطاولة.
لم يكن مشهدا مستو البائس وخشمان المتعجرف ليدفعانني للتريث والحذر في اللعب بأخلاق مقامر جبان، إنما اخترت مسبقاً أن أكون مقامراً من الطراز السيء، ذلك الطراز الذي يراهن بجزء يسير من نقوده، إن خسر ترك اللعب، وإن ربح مبلغاً بسيطاً أيضاً ترك اللعب بذريعة ما. ذات مرّة قال لي عجوز مقامر كان يراقبنا من الطاولة المجاورة: أنت لست بمقامر محترم. قلت وكيف يكون المقامر المحترم؟ أجاب : المقامر المحترم لا يخفي نقوده كي لا يراهن عليها إن خسر. مجّ سيجارة الغازي بين اصبعيه النحيلتين بعمق، نفث الدخان في الفراغ وأضاف: لو كنت مكان زملائك لطردتك من المقهى نهائياً. ملاحظة العجوز أحيا شعور الغيظ لدى زملائي، حيث كانوا يضيقون بقناعتي التي لا تليق بقمرجي غرّ، لكنهم لم يتمكنوا من إيجاد تعبير مناسب لتوبيخي، كانوا مفرطين في حماسهم التنافسي. أما أنا كنت أضحك طوال الوقت لا مبالياً، بين الفينة والأخرى أشتم كنعان ايفرين وحافظ الأسد اللذين ورطانا بهواية قذرة لا نهاية لها.
كان مستو يخسر غالباً، لسبب نقاء نيّته وقلّة خبرته في احتساب الورق، فيستدين من خشمان النقود التي ربح نقوده ليتابع اللعب من جديد على أمل استرجاع ما خسره. بعد بضعة أيام رزح مستو تحت رقم كبير من دين مستحق لخشمان. توجست بأنّ تسليتنا تسير نحو عاقبة وخيمة، طلبت التوقف عن اللعب نهائياً، وارجاع كل النقود للخاسرين، ونعود للعبة التريكس حتى يحل الاشكال بين ايفرين والأسد ويرتفع منسوب ماء نهر الفرات ويعود التيار الكهربائي لمجراه الطبيعي. كنت قد ربحت خلال شهر ما يقارب المائتي ليرة أعدتها لريزان الذي لم يكن مبالياً بالخسارة أو الربح لكنه وافق على التوقف عن هذه المهزلة، وطلبتُ من خمشان أيضاً أن يعيد لمستو ما خسره، رفض خشمان الفكرة كما توقعت. اقترحنا أنا وريزان أن يعفيه من الديون المتراكمة عليه في أضعف الإيمان، فهو زميل لنا ولا يعقل أن يدفع راتب ستة أشهر من أجل مزحة. ابتسم خشمان وقال بخبث:
- سأعفيه من الديون بشرط.
- وما هو؟ سألته
- أن يتنازل لي عن عشيقته زينب.


حدّقت في عينيه للحظات، استشفيت من انكسار نظراته أنه نذل وما طلبه لم يكن مزحة سمجة. استدرت عنه وبصقت في فراغ العتمة التي تسود الورشة حين تنقطع الكهرباء.